.. وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر
الجامع: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل
شبهة تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله.
فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله، في خوفه ورجائه، والتوكل عليه،
والإنابة إليه، والذل وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل
طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده.
فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه
ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة، ومحبة، وتوكلاً، وإنابة،
واخباتاً وخشية، ورجاء، وخلص عمله لله. فإن أحب أحب في الله، وإن
أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله.
ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيعقد قلبه معه عقداً محكماً على الائتمام والاقتداء به وحده، دون
كل أحد في الأقوال والأعمال، من أقوال القلب: وهي العقائد، وأقوال
اللسان: وهي الخبر عما في القلب. وأعمال القلب: وهي الإرادة والمحبة
والكراهة وتوابعها. وأعمال الجوارح. فيكون الحاكم في ذلك كله دِقِّه
وجلِّه: هو ما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا
عمل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ} ، أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر. قال بعض
السلف: ما من فعلة - وإن صغرت - إلا ينشر لها ديوانان: لِمَ؟ وكيف؟
أي: لم فعلت؟ ... وكيف فعلت؟ .
فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه: هل هو حظ عاجل من
حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس أو