للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلحاق مع الفارق - فبطل الإلزام إذاً لوجود الخيرة فيه.

وقد كشف عن هذا العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في

تفسيره لهذه الآية فقال (١) : (فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر

رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليس لمؤمن أن يختار شيئاً بعد أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل إذا أمر فأمره

حتم، وإنما الخيرة في قول غيره إذا خفي أمره. وكان ذلك الغير من أهل

العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع لا واجب

الاتباع. فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه، بل غايته أنه يسوغ له

اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره، لم يكن عاصياً لله ورسوله، فأين هذا

ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه ويحرم عليهم مخالفته، ويجب

عليهم ترك كل قول لقوله، فلا حكم لأحد معه ولا قول لأحد معه كما لا

تشريع لأحد معه، وكل من سواه فإنما يجب اتباعه على قوله: هذا أمر بما

أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغاً محصناً ومخبراً لا منشئاً ومؤسساً،

فمن أنشأ أقوالاً وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمة

اتباعها ولا التحاكم إليها حتى تعرض على ما جاء به، فإن طابقته ووافقته

وشهد لها بالصحة قبلت حينئذٍ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها. وإن لم

يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفة. وكان أحسن أحوالها: أن يجوز

الحكم والاقتداء بها وتركه، وأما أنه يجب ويتعين فكلاَّ ولمَّا) .

خامساً: ما رواه الأربعة والحاكم من حديث بريدة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة.

وفيه: رجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار "

الحديث.


(١) زاد المعاد ١ / ٤ - ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>