ففيه بيان الوعيد للقاضي إذا حكم على خلاف ما يعتقده حقاً لأنه
عمل محرم. ولا خلاف في تحريمه عند أهل العلم. قال شيخ الإسلام
ابن تيميه رحمه الله تعالى: (ويجب على القاضي أن يعمل بموجب اعتقاده
فيما له وعليه إجماعاً) انتهى.
وعلى هذا فالحاكم إذا استبان له رجحان مقابل قول ملزم به فحكم
به على خلاف معتقده دخل في الوعيد. والله أعلم.
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى (١) : (قال الشافعي: وإذا قاس من
له القياس واختلفوا وسع كلاً أن يقول بمبلغ اجتهاده فلم يسعه اتباع غيره
فيما أداه إليه اجتهاده) . انتهى.
سادساً: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعث معاذاً إلى اليمن، وسأله كيف يقضي
قال: بكتاب الله، قال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن لم يكن في كتاب الله "
قال: فبسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " فإن لم يكن في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
قال: اجتهد رأيي ولا آلوا، قال: فضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " الحمد لله
الذي وفق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي رسول الله ".
فلم يرد رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً عن طريق الاجتهاد، بل أقره على سلوك
طريق الاجتهاد. والاجتهاد يكون بالمقايسة الجليه، والرجوع إلى القواعد
الشرعية، وهذا النوع الذي مناط الخلاف فيه: هو الاجتهاد الذي تقدم
حكاية الإجماع فيه أنه لا يجوز نقضه بحال ويأتي أيضا حكاية الإجماع
في منع الإلزام به. ماذا كان الأمر كذلك فإن الإلزام بمذهب معين فيه رد
لشيء معين سوى الكتاب والسنة، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيد معاذاً بالرجوع إلى
(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢ / ٦٠.