للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد بعدهما والتباين في هذا من الظهور بمكان، قال الخطابي في

شرح السنن (١) : (وفيه دليل على أنه ليس للحاكم أن يقلد غيره فيما يريد

أن يحكم به وإن كان المقلد أعلم منه وأفقه حتى يجتهد فيما يسعه منه،

فإن وافق رأيه واجتهاده أمضاه وألا توقف عنه لأن التقليد خارج عن هذه

الأقسام المذكورة في الحديث) . انتهى.

سابعاً: إن هذا الحجر والإلزام بقول مقنن أو رأي معين لم يسبق

الحمل عليه في صدر الإسلام ولا في القرون المفضلة، فلا يعلم من

هدي الصحابة رضوان الله عليهم مع مشاركتهم في العلم والمشاورة مع

بعضهم لبعض إلزام واحد منهم للآخر بقوله، بل المعروف المعهود بالنقل

عنهم خلافه. قال أبو عمر بن عبد البر في جامعه (٢) وعن عمر رضي الله

عنه أنه لقي رجلاً فقال ما صنعت، فقال قضى عليّ وزيد بكذا فقال: لو

كنت أنا لقضيت بكذا قال: فما يمنعك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أردك

إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفعلت ولكني أردك إلى رأي

والرأي مشترك، قال ابن عبد البر فلم ينقض ما قال علي وزيد وهذا كثير

لا يحصى. انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله (٣) : (وعمر بن الخطاب رضي

الله عنه قد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه قد كان قبلكم في الأمم محدثون فإن يكن

أحد في أمتي فعمر " وروى أنه ضرب الحق على لسانه وقلبه وقال: " لو

لم أبعث فيكم لبعث عمر " ومع هذا فما كان يلزم أحداً بقوله ولا يحكم


(١) معالم السنن ٥ / ٢١٢.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ٢ / ٥٩.
(٣) مجموع الفتاوى ٣٥ / ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>