للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجزئيّات مراعاةً لِحكمة الضَّبط التي هي أهمُّ» (١). وقال خلَّاف: «تخلُّف الحكمة في بعض الجزئيّات لا أثر له، بإزاء استقامة التّكاليف واطّراد الأحكام» (٢).

فمثلًا: شربُ قليل النبيذ لا يؤدّي إلى السكر، المتمثِّل في غياب العقل مع بقاء الحواسّ، المؤدِّي إلى العداوة والبغضاء والصدّ عن الذكر والصلاة، ومع هذا فإنّ هذا القليل مشمولٌ بحُكم التحريم عند جماهير الفقهاء، حتّى مع غياب هذه الحكمة عنه، وذلك لوجود حكمةٍ أخرى خَلَفت الحكمة الأصليّة، وهي الضبط والاحتياط المعبَّر عنه في هذه الجزئيّة بحسْم مادّة الفساد؛ إذ لو لم يُحرَّم هذا القليل لما أمكن المنع من تداول المسكرات واقتنائها والاتجار بها، ولَتَهاون الأفراد في شربها؛ لأنّ شرب القليل منها يؤدّي، مع الاعتياد والألفة، إلى شرب الكثير، هذا فضلًا عن أنّ القدر الذي لا يسكر لا ينضبط، فما يُسكر بعض الناس لا يسكر آخرين، وما يسكر الشخص الواحد في حال قد لا يسكره في حال أخرى. إذن الحكمة من تحريم قليل النبيذ ليست هي حصول السّكر نفسه، وما يترتب عليه، كما في تحريم الكثير، بل هي سدّ ذريعة السكر احتياطًا وضبطًا.

ومثلًا نوط حكم رخصة الإفطار في رمضان بالسفر تتحقّق فيه الحكمة غالبًا، وهي دفع مشقّة الصوم غير المعتادة بسبب السفر الطويل، لكنّها مع ذلك قد تغيب في بعض الأسفار الطويلة في حقّ بعض الناس، ورغم هذا تشملهم الرخصة؛ لأنّ هذه الحكمة (المشقّة الزائدة) غير منضبطة، فالناس يتفاوتون في تقديرها والشعور بها فأنيط الحكم بالسفر الطويل الذي يكون مظنّة لها، حتّى لو لم تتحقّق هي في حقّ بعض الناس فِعلًا، وذلك من باب التسهيل والضبط ورفع الحيرة عن المكلّف عند امتثال الحكم.

والحاصل أنّ الجزئيات أو الأفراد الذين تشملهم المظنّة، ولا يتحقّق فيهم حكمة الحُكم عند نوطه بالمظنة، يتّصفون بصفتين:

أولا: أنهم أقليّة واستثناء بالنسبة لسائر الجزئيّات والأفراد الذين يشملهم حُكم المظنة.


(١) المعلمي اليماني، آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني، ٢/ ٨٣.
(٢) خلاف، علم أصول الفقه، ٦٦.

<<  <   >  >>