وقد شملت العصمة حفْظ الله لِسيرته، وصوْن أقواله وأفعاله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قيّض الله بهذا الحفظ الرّواة العدول الثّقات من آل بيته وزوجاته أمّهات المؤمنين وصحابته -رضوان الله عليهم أجمعين-، الذين روَوْا تفاصيل حياته -صلى الله عليه وسلم-، وحدّثوا الأمّة حديث صِدق عن أقواله وأفعاله وعظمة أخلاقه. وتناقلها الرواة العدول الثقات جيلاً بعد جيل، في تسلسل فريد، وتوثيق مُحكم، ومحافظة على السّند والمتن، بصورة لم ولن تشهد لها البشرية مثيلاً. وقد كان بعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدوِّنون ما يسمعونه منه -صلى الله عليه وسلم-، كعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وأنس خادم الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد بدأ التدوين الرسميّ للسُّنّة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، حيث كتب إلى الآفاق:"انظروا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاجمعوه! ". وكتب لأهل المدينة:"انظروا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاكتبوه! فإني خِفتُ دروس العلْم وذهاب أهله".
ولقد نشط العلماء وتعالت هممهم في الجمع والتدوين، ووُضعت قواعد علْم مصطلح الحديث، وتعددت المصنفات التي جمعت أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وكان من أتقنها:"صحيح البخاري ومسلم"، ثم كتب المسانيد الأخرى. وقد تم تصنيف السّنة وتبويبها وتنقيحها من الدخيل والموضوع والضعيف، بصورة فريدة وبطريقة انفرد بها الإسلام عن غيره من الأديان الأخرى.
وبجانب التوثيق بالرواية والكتابة والحفظ، فإنّ ممّا انفرد به -صلى الله عليه وسلم-، وتميّز به عن غيره من الأنبياء والمرسلين: أنّ مواطن الدعوة في مكة والمدينة، وأماكن أحداثها وآثارها، شاهد عدلٍ ودليل صدْق على التواجد المستمرّ والبقاء الخالد للإسلام.
ففي كل عام، يتوافد ملايين الحجاج والمعتمرين لِيشاهدوا أماكن الدّعوة ومواطنها.