قول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّّ لِيَعْبُدُونِ}(١) .
ــ
= بل لا يكون موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده، ويقر أنه وحده هو الإله المستحق للعبادة; ويلتزم بعبادته وحده لا شريك له. وأقسام التوحيد الثلاثة متلازمة، كل نوع منها لا ينفك عن الآخر، فمتى أتى بنوع منها ولم يأت بالآخر لم يكن موحدا. والقسم الثالث هو مقصود المصنف
-رحمه الله تعالى- بتصنيف هذا الكتاب، وإن كان قد ضمنه النوعين الآخرين؛ لأن هذا النوع هو أول دعوة الرسل أن:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ١، ولعموم البلوى في زمانه بعبادة القبور والأشجار وغيرها، ودعوة الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم، فمن أجل ذلك صرف العناية في بيان ذلك.
وإن شئت قلت كما قال ابن القيم وغيره: التوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات. وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الإلهية والعبادة. وبهذا التوحيد ولأجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل كل آية متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه؛ فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، وهو التوحيد العلمي الخبري.
وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد دونه وهو الإرادي الطلبي. وإما أمر ونهي، وهو حقوق التوحيد ومكملاته. وإما خبر عن أهل التوحيد وجزائهم وأهل الشرك وجزائهم، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي الشرك وأهله وجزائهم، وركنا التوحيد الصدق والإخلاص.
قال ابن القيم:
والصدق والإخلاص ركنا ذلك الت ... وحيد كالركنين للبنيان