(١) الاستعاذة الإلتجاء والإعتصام والتحرز، وحقيقتها الهرب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، فالعياذ لدفع الشر، وأما اللياذ فطلب الخير. قال الشاعر:
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به فيما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره
فالعائذ بالله قد هرب إليه، واعتصم واستجار به، ولجأ إليه، والتزم بجنابه مما يخافه.
وهذا تمثيل، وإلا فما يقوم بالقلب من ذلك أمر لا تحيط به العبارة، وقد أمر الله عباده بها في مواضع من كتابه، وتواترت بها السنة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة من أجل العبادات، فصرفها لغير الله شرك أكبر، وإن استعاذ بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه فجائز، وسيأتي جواز: أعوذ بالله ثم بك.
وإن قال: أعوذ بالله وبك ولو فيما يقدر عليه كان مشركا شركا أصغر؛ لأن الواو تفيد أن ما بعدها مساو لما قبلها، عكس ثم، فإنها إنما تفيد التعقيب، وإن كان فيما لا يقدر عليه كان مشركا الشرك الأكبر، ولو قال أعوذ بالله ثم بك.
(٢) أخبر عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته رهقا وهو الطغيان.
وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا نزل واديا أو مكانا موحشا وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم خوفا منهم، زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا. فذمهم الله بهذه الآية =