للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب قول الله تعالي: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ١ (١) .

ــ

(١) لما كان الخوف من الله أجل مقامات الدين وأشرفها وأفضلها، وأجمع أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله تعالى، نبه المصنف بالترجمة بهذه الآية على وجوب إخلاص الخوف لله، وقد ذكره الله في غير موضع من كتابه، كقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ٢، {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ٣،: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} ٤، وغير ذلك من الآيات. و {إِنَّمَا} أداة حصر، والشيطان علم لإبليس اللعين، {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} ٥ أي يخوفكم بأوليائه، ويوهمكم أنهم ذو بأس شديد، وقال قتادة: يعظمهم في صدوركم. {فَلا تَخَافُوهُمْ} أولياءه الذين خوفكم إياهم، {وَخَافُونِ} في مخالفة أمري، وتوكلوا علي فإني كافيكم وناصركم عليهم، وهذا هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده ورضيه منهم،: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٦ جعله شرطا في الإيمان؛ لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس، ولأن من عرف أن الخوف عبادة، وصرفه لغير الله شرك، لم يصرفه لغيره،

وكلما قوي إيمان العبد زال خوف أولياء الشيطان من قلبه، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم، قال المصنف: وفيه أن إخلاص الخوف من الفرائض، والخوف على ثلاثة أقسام:

(أحدها) خوف السر، وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أو غير ذلك أن يصيبه بما يكره، كما قال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ٧، وهو الواقع من عباد القبور ونحوها، يخافونها ويخوفون بها أهل التوحيد.

(الثاني) أن يترك ما يجب عليه من جهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر لغير عذر خوفا من بعض الناس، فهذا محرم، وهو نوع من الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد، وهذا هو سبب نزول الآية، كقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} ٨. وفي =


١ سورة آل عمران آية: ١٧٥.
٢ سورة النحل آية: ٥٠.
٣ سورة الأنبياء آية: ٢٨.
٤ سورة الأحزاب آية: ٣٩.
٥ سورة آل عمران آية: ١٧٥.
٦ سورة البقرة آية: ٩١.
٧ سورة الزمر آية: ٣٦.
٨ سورة آل عمران آية: ١٧٣.

<<  <   >  >>