للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} ١ (١) .

ــ

= الحديث: " إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تغيره؟ فيقول: رب خشية الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى " ٢. رواه أحمد وغيره.

(الثالث) الخوف الطبيعي، وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك، فهذا لا يذم، كقوله: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} ٣. وأما خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة، وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} ٤ ونحو ذلك، فهو أعلى مراتب الإيمان.

(١) (إنما) أداة حصر، يخبر تعالى أنه لا يعمر مساجده حقيقة إلا الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا بجوارحهم، وداوموا على إقام الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها، وأعطوا الزكاة مستحقيها، وأخلصوا لله الخشية، أي المخافة والهيبة التي ينبني عليها أساس العبادة، والتي هي مخ عبودية القلب، ولا تصلح إلا لله وحده، وهي الشرط الذي هو وجه مناسبة الآية للترجمة، ولا محالة أن الإنسان يخشى المحاذير الدنيوية، ولكن ينبغي له أن يخشى في ذلك قضاء الله وتصريفه. وقوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} ٥ أي وأولئك هم المهتدون، وكل عسى في القرآن فهي واجبة. وفي الحديث: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان " ٦. قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآية. رواه أحمد والترمذي وغيرهما. فأثبت تعالى عمارتها للمؤمنين بعد أن نفى ذلك عن المشركين؛ لأن عمارة المساجد بالطاعة والعمل الصالح، لا مجرد العمارة بالبناء فقط، وإن كان يدخل فيها، ويعم ترميمها وتنظيفها، فلا تكون عامرة إلا بالإيمان والعمل الصالح، الخالص من شوائب الشرك والبدع، وإدامة العبادة والذكر، وصيانتها عما لم تبن له.


١ سورة التوبة آية: ١٨.
٢ ابن ماجه: الفتن (٤٠٠٨) , وأحمد (٣/٤٧) .
٣ سورة القصص آية: ٢١.
٤ سورة إبراهيم آية: ١٤.
٥ سورة التوبة آية: ١٨.
٦ الترمذي: تفسير القرآن (٣٠٩٣) .

<<  <   >  >>