وقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} ١ الآية (١) . وعن أبي سعيد مرفوعا: " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله (٢) ،
ــ
(١) أي ومن بعض الناس من يدعي الإيمان بلسانه، ولم يثبت في قلبه:{فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} ، أي لأجل الله جل وعلا، فأصابته محنة اعتقد أنها من نقمة الله فارتد عن الإسلام. قال ابن عباس: يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله. وقال ابن القيم:((أخبر عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرة، أنه إذا أوذي في الله:{جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} له -وهي أذاهم ونيلهم له بالمكروه، وهو الألم الذي لا بد أن ينال الرسل وأتباعهم ممن خالفهم- جعل ذلك في فراره منه، وتركه السبب الذي يناله به،: {كَعَذَابِ اللَّهِ} الذي فر منه المؤمنون بالإيمان، فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب، وهذا لضعف بصيرته فر من ألم أعداء الرسل إلى موافقتهم، ففر من ألم عذابهم إلى عذاب الله، فجعل ألم فتنة الناس بمنزلة ألم عذاب الله، وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار، وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد، وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال: إني كنت معكم، والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق)) اهـ. فلا ينبغي للعبد أن يخاف غير الله، ولا يصدق عليه الإيمان الشرعي إلا باعتقاد القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، وفيه الخوف من مداهنة الخلق، والمعصوم من عصمه الله، ومطابقة الآية للترجمة أن الخوف من الناس أن ينالوه بما يكره بسبب الإيمان بالله من جملة الخوف من غير الله.
(٢) الضعف بالضم في لغة قريش، وبالفتح في لغة تميم ضد القوة والصحة، فالمضموم مصدر ضعف ضعفا كقرب قربا، والمفتوح من باب قتل، واليقين ضد =