للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باب ما جاء في التطير (١)

ــ

(١) أي من النهي عنه والوعيد فيه، مصدر تطير يتطير، والطيرة اسم مصدر من تطير طيرة، كما يقال تخير خيرة، ولم يجيء في المصادر على هذه الزنة غيرهما، والتطير التشاؤم بالشيء بما يقع من المرئيات أو المسموعات في قلوب أهل الشرك والعقائد الضعيفة، الذين لا يجعلون توكلهم على الله، وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء والعطاس والنجوم وغير ذلك، فكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، وإنما هو خواطر وحدوس وتخمينات لا أصل لها. قال المدائني: ((سألت رؤبة بن العجاج ما السانح؟ قال: ما ولاك ميامنه، قلت: فما البارح؟ قال: ما ولاك مياسره، والذي يجيء من خلفك فهو القاعد والقعيد)) . اهـ.

ومن العرب من يتشاءم بالبارح، ويتبرك بالسانح وبالعكس، ولم تكن قاطبة تعتقد هذا وتقول به، بل قد جاء عن بعضهم إنكاره ومنه:

وما أنا ممن يزجر الطير همه ... أطار غراب أم تعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية ... أمَرَّ سليم القرن أم مَرّ أعضب

وغير ذلك مما هو مشهور عنهم، وفي الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- حين سئل عنه قال: "ذلك شيء يجده أحدكم فلا يصدنه". وقال: "إذا تطيرت فلا ترجع". ولا يضر إلا من أشفق منه وخاف واعتنى به، فيكون أسرع إليه من السيل إلى منحدره، وتفتح له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه، ويفتح له الشيطان من المناسبات القريبة والبعيدة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه، ولما كان التطير من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب؛ لكونه من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، ولكونه يتعلق القلب به خوفا وطمعا، ولكونه منافيا للتوكل على الله، واعتقاد نفع أو ضر بسبب طائر ونحوه، أفرده المصنف -رحمه الله- بالترجمة، وإن كان من الشرك الأصغر فهو من أقبح الشرك.

<<  <   >  >>