= معلوم بالاضطرار من دينه، وكل ذلك شفقة منه صلى الله عليه وسلم على الأمة، وخوف من أن يقودهم ذلك إلى الشرك بها وأصحابها، وتقدم الإجماع على النهي عن البناء على القبور، والقطع بتحريمه، وفي صحيح مسلم:"نهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه".
قال شيخ الإسلام: لا فرق بين الجديدة والعتيقة، انقلبت تربتها أو لم تنقلب، ولا فرق أن يكون بينه وبين الأرض حائل أولا، لعموم الاسم وعموم العلة، وإن كان موضع قبر أو قبرين؛ لأنه لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ومعلوم أن قبورهم لا تنجس، فمن علق النهي بنجاسة التربة خاصة، فهو بعيد عن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تجوز في مسجد بني في مقبرة سواء كان له حيطان تحجز بينه وبين القبور، أو كان مكشوفا، وفي صحيح مسلم من حديث أبي مرثد:" لا تصلوا إلى القبور" ١. وقال ابن القيم: ((وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول مقاصده، جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي بصيغة:"لا تفعلوا"، "إني أنهاكم" ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحق بمن عصاه؛ فإن هذا وأمثاله صيانة منه لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك، وغضب لربه أن يعدل به سواه)) اهـ. وقد وقع بسبب البناء على القبور من المفاسد التي لا يحيط بها على التفصيل إلا الله، ما يغضب لله من أجله من في قلبه رائحة إيمان، ولقد أبدى صلى الله عليه وسلم وأعاد، وحذر من ذلك، حتى في النزع سدا لذريعة الشرك قبل وقوعه، وتحذيرا للناس منه، وقد طبق العالم اليوم، وعادت الجاهلية الأولى، بل زادوا عليهم دعاءهم في الشدائد، واعتقاد النفع والضر فيهم من دون الله عز وجل فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(١) أبو حاتم هو محمد بن حبان، تقدمت ترجمته، وأن أصح ما صنف في الصحيح بعد الصحيحين صحيح ابن خزيمة فابن حبان فالحاكم.