للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم " (١) .

ــ

= لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك، وإنما كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام، لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة أفضل وأكمل، وكانت الحجرة في زمانهم يؤتى إليها من الباب، ومع التمكن لا يدخلون عليه، لا للسلام ولا للصلاة، ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم، فلم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره؛ لنهيهم بقوله: " لا تتخذوا قبري عيدا "١ وغير ذلك، وإنما كان يأتي أحدهم من خارج، إذا قدم من سفر، كما كان ابن عمر يفعله، فيقول: " السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه "، ثم ينصرف ولا يقف للدعاء. قال شيخ الإسلام: لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة، فصار بدعة، واتفق الأئمة على أنه إذا دعا لا يستقبل القبر، وفي هذا الحديث أيضا دليل على منع شد الرحل إلى قبره صلى الله عليه وسلم أو غيره من القبور والمشاهد؛ لأن ذلك من اتخاذها أعيادا، ومن أعظم أسباب الإشراك بها كما هو الواقع، واتفق الأئمة على المنع من ذلك؛ لما في الصحيحين: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "٢. فدخل في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد، بل هي أولى بالنهي، وإذا نوى بشد الرحل زيارة القبر فقط حرم، وإن نواه والمسجد جاز.

(١) وفيما رواه منصور عن أبي صالح: "ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء". فإن قيل: إذا سمع سلام المسلم عند قبره حصلت المزية بسلامه. قيل: هذا لو حصل الوصول إلى قبره كسائر قبور المسلمين، أما وقد منع الناس من الوصول إليه بثلاثة الجدران فلا تحصل المزية، سواء سلم عليه عند قبره، أو في مسجده إذا دخله، أو في أقصى المشرق أو المغرب، فالكل يبلغه كما وردت به الأحاديث، وليس في شيء منها أنه يسمع صوت المسلم بنفسه، إنما فيها أن ذلك يعرض عليه، ويبلغه صلى الله عليه وسلم.


١ أحمد (٢/٣٦٧) .
٢ البخاري: الجمعة (١١٨٩) , ومسلم: الحج (١٣٩٧) , والنسائي: المساجد (٧٠٠) , وأبو داود: المناسك (٢٠٣٣) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠٩) , وأحمد (٢/٢٣٨) , والدارمي: الصلاة (١٤٢١) .

<<  <   >  >>