للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} (١) الآية١.

وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٢) الآية ٢.

ــ

(١) وتمامها: {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ٣ في ذريته من بعده، يدينون بها (لعلهم يرجعون) إليها، والكلمة هي: لا إله إلا الله بإجماع أهل العلم. وقد عبر عنها الخليل بمعناها الذي أريدت به، فعبر عما نفته بقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ٤، وعما أثبتته بقوله: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} ٥ أي خلقني، فقصر العبادة على الله وحده، ونفاها عن كل ما سواه ببراءته من ذلك. قال ابن كثير: ((هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله، جعلها في ذريته، يقتدي به فيها من هداه الله منهم، ففي الآية معنى لا إله إلا الله مطابقة، فإن هذه اللام تسمى لام النفي، ولام التبرئة، فتبين أن معناها النفي والإثبات، والتجريد والتفريد، والولاء والبراء، وتبين أن معنى لا إله إلا الله توحيد الله بإخلاص العبادة له، والبراءة من عبادة كل ما سواه)) .

(٢) الأحبار العلماء، والرهبان هم العباد، وجعلوهم مشرعين في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل، فصاروا بذلك أربابا؛ لأن التشريع من خصائص الربوبية، كما أن العبادة من مستحقات الربوبية، وفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية لعدي لما قال: إنهم لم يعبدوهم، فقال: " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وحللوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم " ٦. رواه أحمد وغيره، وحسنه الترمذي. وقوله: (والمسيح ابن مريم) أي اتخذوه ربا بعبادتهم له.: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ٧. فدلت على أن من أطاع غير الله في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحله فقد اتخذه ربا ومعبودا، وجعله لله شريكا، وذلك ينافي التوحيد، فكل معبود رب، وكل مطاع ومتبع على غير ما =


١ سورة الزخرف آية: ٢٦.
٢ سورة التوبة آية: ٣١.
٣ سورة الزخرف آية: ٢٨.
٤ سورة الزخرف آية: ٢٦.
٥ سورة الزخرف آية: ٢٧.
٦ الترمذي: تفسير القرآن (٣٠٩٥) .
٧ سورة التوبة آية: ٣١.

<<  <   >  >>