وقد فقد الشاعر قومه وهجرهم حين وجد أنه لا خير منهم، حيث لا يقدرون المعروف ولا يفهمون معنى الجميل ولا يكافئون عليه، وليس هناك من سبب واحد يحمله على البقاء معهم ويساعده على الحياة في كنفهم، فله عزاء عن فقدهم، وعزاؤه يتمثل في رباطة جأشة وثبات قلبه، كأنه في ثباته محمي ومنصور بشيعة له وأنصار، كما يتمثل في سلاحه: سيفه الصقيل الذي يضرب به عن قرب وقت الالتحام، وقوسه المتينة التي تخطئ الأهداف عن بعد حين تنطلق منها السهام سواء أكان هذا الهدف من الأعداء أم من الصيد.
ويأخذ في وصف هذه القوس رفيقته في الجهاد وعونه على الأعداء فهي ملساء الصلب والجوانب، تسمع لها نغمًا معينًا وصوتًا قويًا عند انطلاق السهم عنها للدلالة على قوتها وسلامتها من العطب، بالإضافة إلى أنها محلاة ومرصعة ببعض ما يزينها فاهتمامه بمظهرها وشكلها لا يقل عن إهتمامه بجوهرها ومادتها، فهو يعتز بها لأنها قوس عجيبة تسمع له صوتًا حين يزل عنها السهم وينطلق أشبه ما يكون بصوت الثكلى الحزينة في رنة صوتها وعويلها، ووصف الثكلى بكثرة الرزايا، والسرعة تشير إلى جودة القوس وكثرة السهام التي ترمى بها وسرعتها في انطلاقها، وهذا يعني أنه ليس له أصحاب، أنه وحده صاحب نفسه، والسيف والقوس وسيلتاه للدفاع عن النفس والبقاء.