والضيم من قوم يذلونه ويتخلون عنه في المقام الحرج، وهو هنا يقارن بين مجتمع الناس الذي هجره، ومجتمع الوحوش الذي ألفه فيقول:
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
ففي مجتمع الوحوش تتكتم الأسرار، ولا يتخلى القوي عن الضعيف فلا يخذله أو يسلمه حتى في أشد المواقف وأكثرها حرجًا، وهو بذلك يشير إلى سبب هجره لمجتمع الناس حيث لا يؤتمن أحدهم على سر، وفي هذا تعريض بأهله لأنهم على النقيض من ذلك.
ثم أخذ يصف هذه الوحوش التي اتخذ منها أهلًا وأصحابًا، فهي تتسم بالبسالة والشجاعة، ومع شجاعتها الفائقة فهو أكثر جرأة منها حين تعرض له الفريسة فيطاردها، فلا يكل إلى هذه الوحوش أمره ولا يعتمد عليها في الدفاع عنه، فله من شجاعته وبسالته ما يتخذه درعًا وسندًا يضرب به الأمثال، فالشاعر هنا يقارن بينه وبين الوحوش.
ومع هذه الشجاعة الفائقة فله من عفته وقناعته ما يدفع عنه تهمه الجشع، فإذا كان يسبق إلى الفريسة ويزاحم في صيدها فلا يسبق إلى أكلها فحسبه ما يتمتع به من غنى النفس مع تفضل على الفقراء والمعوزين.