والشاعر هنا يعرض حجته في مفارقته لقومه مع حرصه على رعاية أواصر الرحم التي تربط بينه وبينهم، فالحاجات قد حمت وآن أوانها المقدر، وقد اتضحت أمامه الرؤيا وفكر في هدوء واتزان فاتخذ قراره بالرحيل والكريم يربأ بنفسه عن الأذى فيهاجر إلى مكان بعيد، كما أن اعتزال الناس أكرم من الإثقال عليهم واحتمال نفورهم وكراهيتهم.
ثم يقسم الشاعر أن الأرض واسعة لصاحب الحاجات والآمال فإذا عجز عن تحقيقها في مكان ما فليرحل إلى غيره، ومن فقد الأمان في أرض فليطلب سواها عله يجد الأمن في جنياتها، فالعاقل الحازم هو الذي يحتال بالهجرة ليحقق ما ابتغاه بدل أن يستسلم للواقع فيعيش في فزع فضلًا عن عجزه عن تحقيق آماله، والحر لا يعز عليه أن يعثر على مكان يهنأ به وينأى عن الهوان.
وقد اختار مجتمعا غير مجتمع الناس جميعا أنه مجتمع الوحوش، يعايش الحيوان المفترس والأسد الضاري، والنمر الأرقط، والضبع الطويلة العرف، هؤلاء جميعا هم الأهلون الذين يؤثرهم على قومه ويفضلهم على الناس جميعا ثم يعود ثانية للحديث عن أهله الجدد واقتناعه بالانتساب إليهم ويعبر عن هذه القناعة بأسلوب القصر الذي يعني أنه لا أهل سواهم، ويبد وأنه ألف هذه الوحوش وعرف طبائعها، ولذلك وصفها وصفا كاملًا يخفي وراءه شعورا بالألم