وكان طرفة وقومه يعيشون في البحرين وكانت خاضعة للحيرة، والحيرة يومئذ ملتقى الأفكار والديانات والمذاهب المختلفة، والنصرانية منتشرة فيها، فلا بد أن يكون لكل هذه العوامل أثر في عقلية أبنائها وتفكيرهم في الحياة وفي تفكير وعقلية شاعرنا بوجه خاص، فوجئ طرفة وهو صغير بوفاة والده فكان لذلك أثره البالغ في نفسه فكلفه أعمامه وقاموا بواجب تربيته وبعثت بيئته وحياته ووراثته مواهب الشاعرية في نفسه فنظم الشعر وهو صغير، كما كان ليتمه أثره الواضح فشب متوقد الذهن مضطرم الشعور حاد العاطفة سريع التأثر والغضب، يفزع إلى هجاء من يشعر منه بتقصير نحوه كذلك كان لحسبه ومجد قومه أثره في اعتزازه بنفسه وتمجيده لشخصيته فيذهب إلى حوانيت الخمر يشربها مع نداماه وأصدقاء لهوه، فأخذ أهله يلومونه وينصحونه ويعاتبونه حتى ضاق بهم وسار متنقلا بين القائل.