استهل الشاعر هذه الأبيات مفاخرا بنخوته على عادة الجاهليين فهو يقول: إذا تساءل القوم عن فتى يدفع عنهم الملمات ويكفيهم أمورهم ظننت أني أنا المعني بذلك وكنت عند حسن ظنهم، فأتقدم لأحمل عنهم ما نابهم وأدفع عنهم ما ألم بهم دون تقاعس أوكسل، وهذا هو مقياس الخلق الكريم في تلك البيئة العربية الصحيحة التي يهب فيها العربي نفسه لقومه، ويوقف حياته على قبيلته، وفي هذا تصوير لمكانة الشاعر ومنزلته بينهم، ثم أخذ في الحديث عن صفاته النفسية فيقول: إنني لست ممن يحاول التستر والتخفي عن أعين الناس فأنزل في الأماكن التي لا يراني فيها أحد، مخافة حلول الأضياف أو غزو الأعداء ولكن مكاني معروف لكل من يستمد منى العون أو يطلب المساعدة.
وطرفة رجل يعرف مقامه من الجد ومكانه من المتعة واللهو، وإن طلبته في مجتمع القوم وناديتهم وجدته حيث إجالة الرأي والمشورة، وإن طلبته في الحوانيت وجدته هناك يشرب ويسقي غيره فهو يجمع بين الجد واللهو والسكر والإفاقة، فإذا حدث وجئته في الحانوت سقاك كأسا من كئوس الصباح ترويك وتنقع غلتك وتذهب ظمأك وإن كنت متسغنينا عنها بما عندك من الشراب فازدد بها غنى.