للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدئذٍ ينصرف الشاعر إلى نفسه، فيتحدث عن متعه ولهوه، وما جره ذلك عليه، فقد أسرف في معاقرة الخمر واحتساء كؤوسها فجعلها لذته الكبرى، وأخذ يشرب شربًا مبالغًا فيه، مبددًا في سبيل ذلك أمواله كلها، ما ورثه عن آبائه وأجداده وما استحدثه من مال ومتاع حتى ازور عنه أبناء عشيرته فقاطعوه ونبذوه وأفردوه كما يفرد البعير المصاب ويبعد عن رفاقه حتى لا تتسرب عدواه إليهم وفي هذا دليل على أن العكوف على اللهو ودوام مصاحبة الدَّنِّ، وإنفاق المال وراء المتع واللذات، لم يكن عرفًا عامًا، ولم يكن هو الخلق الذي يحرص عليه المجتمع الجاهلي، لأنه كان يقدر خطر هذه المفاسد وخصوصًا إذا أدت إلى إتلاف المال، فقد نبذ المجتمع طرفة، وأعلن عن غضبته عليه حيال هذا السلوك المشين.

وعلى كلٍ إذا أنكره قومه وتجهمت له عشيرته فإن غيرهم من الفقراء والأضياف يبشون له ويهشون لإحسانه إليهم وسخائه عليهم، كذلك يقدره الأغنياء لأنه كان يجالسهم وينادمهم والشاعر بذلك يصر على موقفه من اللذة ولا يبالي بتجنب قومه واعتزالهم إياه وإنما يؤكد ذاته ويستمرئ سلوكه.

<<  <   >  >>