وإذا رجعت في صوتها خيل إليك أنك تسمع أصوات نوق أخذها الحنين على ولدها الرضيع الذي هلك، فصوتها في رقته يشبه أصوات النوادب والنوائح على صبي هالك.
ومما يثير الانتباه في هذا البيت:
إذا رجعت في صوتها خلت صوتها ... تجاوب أظآر على ربع ردي
إن الشاعر وهو يصور مجلس لهوه وساعة أنسه هو ورفاقه بهذه الجارية التي لا تمتنع عليهم تتهادى وتتبختر في مشيتها وتشجيهم بصوتها الندي وعينها الناعسة يصور صوتها بصوت مجموعة من النوق تبكي وتنوح على ولدها الهالك.
ويمكن تفسير هذه الظاهرة، بأن غريزة حب الحياة والإقبال عليها والتعلق بها تولد في الإنسان الإحساس بالخوف من الموت الذي يؤدي إلى الحرمان من هذه الحياة بكل ما فيها من متع وبهرج وزينة، وظهور مثل هذا الإحساس يدل على تعلق الإنسان بالحياة، وأسفه على أنه سيحرم منها يوما ما، فلا عجب أن يشعر وهو في أحلى ساعات عمره بإحساس المرارة والألم، لأنه يخشى لحظة الحرمان.١
وقد صدق إحساس طرفة، فقد اختطفه الموت وانتهت حياته وهو في ميعة الصبا وعنفوان الشباب.