هذه النشأة أعانته على نظم الشعر وصقلت مواهبه، وجلت له من أسرار العبارة مالم يتح لشاعر آخر كالنابغة مثلا الذي لم يرث الشعر وراثة، ولم ينشأ عليه تنشئة.
وكان زهير راوية لأوس بن حجر، ولأوس مذهب في التصوير يمتاز بالدقة والجمال، وملازمة زهير له تجعله يفيد منه ويترسم خطاه، كما أن حفظه لأشعاره وترديده لها يزوده بذخيرة فنية يمتدح منها، شعر أم لم يشعر، كما كان يتأدب بأدب خاله بشامة بن الغدير، وهو من سادات غطفان، وكانت تعظمه وتستشيره، ولا شك أن هذا الجوار الطيب وملازمته له على هذا النحو، ومشاهدته الناس يتوافدون على حكمته ورأيه يجعله معجبًا بهذا الخال، مفيدًا من هؤلاء الوفود ومن هذا الحكيم أيضا.
وشهد زهير حرب داحس والغبراء التي شبت بين قبيلتي عبس وذبيان، ودار معظم شعره حولها، يصور أهوالها، ويصف الدمار والهلاك الذي تخلفه وراءها، ويدعو إلى السلام في وقت كان فيه عرب الجاهلية لا يعرفون غير العزو والقتال، وقد أسهمت عشيرة أخواله في تلك الحروب، وصليت نارها وخصَّ زهير بمدائحه هرم بن سنان والحارث بن عوف المريين اللذين احتملا ديات القتلى، ويقال إن الدية بلغت ثلاثة آلاف بعير أدياها في ثلاث سنين.١
وإذا كان زهير يمدح هرمًا ويمجده، ويشيد به في شعره، فقد كان هرم يغدق عليه وبذلك أعطى كل منهما صاحبه خير ما عنده، وقد تبدد ما أعطاه هرم لزهير، أما ما أعطاه زهير لهرم من