للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلل البيان فقد خلده على مرور الأيام فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم: أنشدني بعض ما قال فيكم زهير، فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن، فقال يا أمير المؤمنين: إنا كنا نعطيه فنجزل: فقال عمر رضي الله عنه: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.١

واشتهر زهير بأنه من الذين يعنون بشعرهم، ويعيدون النظر فيه، حتى لينظر في القصيدة سنة كاملة، ولهذا سميت قصائده بالحوليات، وقلّ من يفعل ذلك من الشعراء، ولا شك أن هذا يشير إلى طبع من الطباع الفنية التي كانوا يتمتعون بها، وهو طبع التأني والرويَّة.

وإذا كان امرؤ القيس يمثِّل نموذج الإنسان المقبل على الحياة بنهم وشهوة جارحة, وحرية مطلقة في مواقعة الشر والتغني به، وعنترة نموذج الإنسان المعتصم بالبطولة، يؤدي بها غايته في الحياة، ويتخطى نطاق القدرة الإنسانية وشرط المصير البشري، وإذا كان طرفة تصرعه الحيرة، وتكتظ في نفسه الشهوة المنطوية على البعث والشعور الحاد بالزوال والعدم, فإن زهيرًا يؤدي من دونهم جميعا نموذج الإنسان القانع بقسمة المصير، وحكمة الإدارة الكلية للحياة، فلا تصرفه شهواته عن جادة العقل، كما أن الحيرة لا تعروه وتقضُّ مضجعه أمام دورة الزمن وحتمية القدر والموت كي يفرغ للخمرة


١ الشعر والشعراء: حـ ١٥٠/١.

<<  <   >  >>