يقول الشاعر: إن جيراننا قد أعدوا العدة للرحيل، وتهيئوا للفراق ورحلوا عنا بعد أن هام القلب بحب أسماء فتيمه، وانخلع لرحيلها، فصار أسيرًا لديها، رهينًا عندها، وقد أحاطت بالأسير القيود والأغلال، وعجز الراهن عن الوفاء بالدين، واسترداد المرهون، فاستحقه المرتهن وأخذ يستبد به، ويتصرف فيه كيف يشاء.
إنه قد ارتبط بأسماء وعجز عن أن يسلوها، أو يفيق من حبها، وكانت قد وعدته أن تمتعه بقربها، وتسعده بوصلها، فلم تفِ بالوعد، ولم ترع العهد، ولم تحفظ ما بينهما من وطيد الصلة ووشائج المحبة، فأصبح وصلها ميئوسًا منه، وقربها غير مطموع فيه، إنه شيبه بالحبل الذي أضعفه البلى، ونقضت الأيام عراه، إذ إنها تعد ولا تفي وتمني ولا تحقق الأماني.
وهي ماكرة خبيثة لا رحمة عندها ولا شفقة، بل هي قاسية أشد القسوة, وظالمة أشد الظلم حين تعرض للشاعر، فتترائى له لتشوقه إليها وتحزن لهذا الفراق المؤسي الذي لا أمل معه في اللقاء.
لم أخذت تتراءى له بذي ضال لتهيج أشواقه، وتثير كوامن شجونه, وقد تم لها ما أرادت, وهل في ذلك غرابة؟ فحنين النفس إلى أليفها، وشوقها إلى من تهواه، وحزنها لفراقه أمر مركوز في الطباع.
قد تصدت له في أبهى مظهرها وأحلى صورها، فكانت طويلة العنق، معتدلة القوام كالظبية الخالصة البياض ذات غزال صغير, وقد انقطعت عن صواحبها لترعاه، وتعطف عليه لقرب مولده، وشدة