للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحليل:

ثم أضرب عما كان فيه، وأخذ في وصف الممدوح، وهذا من عاداتهم، أي دع حديث الغزل، وخذ في مدح هرم بن سنان أفضل قيس حسبًا حين يفخرون بآبائهم وأجدادهم، وأنداهم يدًا حين يتباهون بالجود وكثرة العطاء، بل هو أجمعها لمكارم الأخلاق، فإذا ما نابتهم نائبة، أو ألم بهم مكروه ظهرت قدرته على التصرف في الأمور، والحزم في مواجهتها فيلبس لكل حالة لبوسها، ولذلك تفوق على الناس جميعًا، وفضله عليهم كفضل الجواد على الخيل البطاء، وفضلًا عن ذلك، فيداه مبسوطة بالنوال لا ينقطع سيبه، ولا يقل عطاؤه، ولذلك ذاعت محامده، واشتهر فضله فأمه الناس يسعون إليه من كل فج، ويسلكون إلى أبوابه كل سبيل حتى أصبحت الطرق إليه ممهدة مذللة.

وهو الفارس الشجاع الذي يقود الخيل في الغزوات، ويبعد بها في أقصى البلاد يخرج بها عظيمة الأبدان، قد علاها السمن، ويعود بها ضامرة هزيلة من طول الأسفار، قد نحل شعرها، وذاب شحمها، وتقوست ظهورها وألقت الحوامل أجنتها قبل تمامها، يعلوها الغبار، وقد تعطلت من كل ما يضبط أمرها وينظم سيرها، فقام الإعيار مقام الإرسان، وحل الضعف محل القيود واللجم، عادت وكل ما فيها يشكو الألم، وخصوصًا دوابرها في حوفرها، وعروقها في أفخاذها، وطبقات الجلد المختلفة، وسائر أعضائها.

وهو في كرمة وفروسية يحذو حذو والده وجده، ويقتدي بهما في طلب المجد، ويسلك سبيلهما في الوصول إلى الغاية، فقد بلغا

<<  <   >  >>