بجميل أفعالهما وحسن صنيعهما منزلة الملوك، وخلفا السوقة، وفاقا أوساط الناس وعامتهم، فإن لحق بهما على ما يتحمل من مشقة، وما يتكلف من عناء، فمثله لحق وهو جدير بذلك، فالولد سر أبيه، وإن سبقاه فقد تقدما، والفضل للمتقدم على حد قول يزيد بن معاوية:
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم
ويتابع مدح هرم بن سنان، فهو عزيز النفس عالي الهمة، شامخ المنزلة يطاول السحاب أنفة، ويحاكي النجوم منزلة، نقيٌّ من الدنس، مبرءٌ من العيب، سمح, واسع العطاء، فهو البحر الذي لا يغيض ماؤه، ولا يقل عطاؤه، يطلق الأسرى، تارة يفديهم، وتارة يمن عليهم بغير فداء, ولقد أصبح السخاء طبيعته، والكرم سجيته، ولا يستطيع أن يتخلى عنهما حتى في وقت العسر، وزمن الشدة، فإذا قصدته وهو في هذه الحال بذل لك أقصى الجهد، وآثرك بما عنده، فكيف إذا جئته والزمان مقبل والدهر مساعد والمال كثير, إنه لا يرد سائلًا، ولا يمنع طالبًا سواء أكان قريبًا منه أم بعيدًا عنه.
ويعود مرة أخرى لوصفه بالشجاعة، والقدرة على النزال، ومواجهة الأقران, ما أشبهه بالأسد عند لقاء الرجال، إنه يتقدم إليهم، لا يجبن ولا يضعف ولا يعرف التردد سبيلًا إلى نفسه، بينما لا يصمد