للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول زهير عن والد هرم١:

ينمي إلى ميراث والده ... كل امرئ لأرومة ينمي

وبهذا استحق هرم أن يكون على رأس قيس كلها، وصدق فيه قوله:

بل اذكرن خير قيس كلها حسبًا ... وخيرها نائلًا وخيرها خلقا

والناس ليسوا سواء في قدرتهم على البيان والإفصاح عما في صدورهم، فبعضهم يعجز عن الإدلاء بحجته ويصاب بالعي، وتخونه الكلمة في المواقف الحاسمة، أما ممدوحه فيتسنم ذروة الفصاحة، ويدلي بالرأي المؤيد بالحجة والبرهان، يقول عنه:

هذا وليس كمن يعيا بحجته ... يوم الندي إذا ما ناطق نطقا

على أن زهيرًا لم يكن يبغي من وراء مدحه جزاءًا أو ثوابًا، وإذا كان قد نال شيئًا من ذلك، فإنه لم يكن يطلبه، بل يستحي منه، يدل ذلك ما رواه أبو الفرج الإصفهاني: وبلغني أن هرمًا كان قد حلف ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدًا أو لدة أو فرسًا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال:

عموا صباحًا غير هرم وخيركم استثنيت٢

وهكذا أحب زهير هرمًا لدرجة الهيام به والإعجاب الشديد بخصاله، وظهر ذلك جليًا في مديحه له، وقد لاحظ القدماء ذلك، فقدروى ابن قتيبة قول أبي عبيدة: من فضل زهيرًا على جميع الشعراء؛ فلأنه أمدح القوم وأشدهم أسر شعر٣


١ شرح الديوان: صـ ٣٨٥.
٢ الأغاني: جـ ٣٠٥/١٠.
٣ الشعر والشعراء: جـ ١٤٤/١.

<<  <   >  >>