والنابغة الذبياني في مدحه للغساسنة طمعًا في نوالهم، لا يهمه مقدار الهدية بقدر ما تهمه ألا تكدر بمن ولا تذكير حين يقول:
على لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
ولم يلجأ زهير إلى تشبيه ممدوحه بالبحر في كرمه أو السحاب في عطائه، أو يذكر لنا أن يده مبسوطة للعافين، وإنما جعل أقدام السائلين التي لم تتوقف في ذهابها وإيابها إلى بيته ترسم طرقًا متعددة من كل صوب وفج، وإنها طرق وليست طريقًا واحدًا حين يقول:
قد جعل المبتغون الخير في هرم ... والسائلين إلى أبوابه طرقا
وبذلك لم يسلم زهير للأنماط السالفة ولم يحذ حذو سابقيه, بل حاول أن يفلت من أسرها، ليعبر عن تجاربه الشخصية، وما اختلج في صدره، واعتمل في داخله من مشاعر وأحاسيس تجاه الممدوح، وربما كان يحس في قرارة نفسه أنه مهما بالغ في مديحه فلن يفي بحقه، وهذا لا يمنع أنه كان يحذو حذو سابقيه في بعض أنماط مدائحه كالمدح بعلو النسب والشجاعة كما تقدم.
على أن هرمًا في نبله وسماحته، وما اتصف به من صفات المجد، يقتدي بآباء له كرام سبقوه على الدرب ويرجو اللحاق بهم:
وما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل