للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالإبهام الذي يحيط بقوله:............ ما علقا يتلاعب بالخيال، ويترك له المجال ممتدا، ومن ثم يجد القارئ لذة لا تعادلها لذة عند وقوفه على المراد.

ومثل ذلك قوله بعد ذلك واخلقتك ابنة البكري ما وعدت ولجأ زهير إلى الإبهام كذلك حين تحدث عن حروب القبائل التي لا تخمد لها نار فقال١:

رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا ... غمارا تفري بالسلاح وبالدم

فقد عبر عن حال هذه القبائل في السلم وفي الحرب بأنها تشبه إبلا ترعى ما شاء لها الرعي.

وشبيه بالإبهام عند زهير وما ترتب عليه من الإثارة قول حنظلة يرثي أخاه مازنا ويصف عفته وفروسيته٢:

أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ... ولا مرثعن ساقط في الدواخن

فالإبهام الذي يحيط بقوله: أخي ما أخي يحير القارئ والسامع، ويتلاعب بخياله، فإذا ما وقف على المراد أحس بلذة لا تعدلها لذة أخرى وقول دريد بن الصمة حين رفضت الخنساء خطبته لها٣:

فسليهم عنى خناس إذا ... عض الجميع الخطب ما خطبي

ما خطبي هكذا دون فضل بيان ليذهب الفكر في تقديره كل مذهب, وقديما فطن ابن الأثير إلى سر الإبهام وأدرك أنه قد يكون مقصودا لأن الموقف يتطلبه، والمقام يستدعيه حين قال: إن المعاني وإن كانت أكثر مقاصد الكلام، ومواطن القول تقتضي الإعراب عنها والتصريح عن مفهوماتها، فقد يقصد في كثير من المواضع إغماضها، وإغلاق باب الكلام دونها.... ثم يقول وتكون الدلالة هنا على المعنى دلالة إبهام لأن الدلالة على المعنى قد تكون دلالة إيضاح، أو دلالة إبهام، أو هما معا٤.


١ شرح ديوان زهير: صـ ٢٥.
٢ أمالي اليزيدي ٤٦ والمرثعن: الضعيف المسترخي، الدواخن: جمع داخن وهو الذي يوقد النار.
٣ الأغاني: جـ ٢٢٠/٨.
٤ المثل السائر: صـ١١٦ لابن الأثير تحقيق د/ أحمد الحوفي, د/ بدوي طبانة ط الثانية منشورات دار الرفاعي بالرياض.

<<  <   >  >>