بمناقيرها وحوصلها محدثة أصواتًا مختلطة تعبيرًا عن فرحتها برؤية الماء وسعادتها بالوصول إليه، وكأن هذه الأصوات أصوات جماعات القبائل المسافرة من الرجال والنساء والأطفال ومعهم دوابهم وأمتعتهم فآبوا بعد سفر وقفلوا راجعين على أوطانهم، فهم يحدثون جلبة وأصواتًا متنوعة فالعلاقة هنا بين أصوات القطا الظمآ وأصوات المسافرين بعد رجوعهم فالبهجة والسعادة تغمر الجميع هذا يسر بالوصول إلى الماء وذاك يفرح بالإياب.
وتعجب لهذه الطيور التي اجتمعت على الماء وتوافدت إليه فأتت من أماكن متفرقة يضمها مورد واحد، كما تجمعت جماعات إبل حي من أحياء العرب عند حوض الماء وتزاحمت عليه فتكاثر القطا وتجمعها حول الماء كتجمع الإبل عليه.
ولا يفوت الشاعر أن يصور لنا كيفية شرب القطا، فهي لشدة ظمئها وتلهفها على الماء عبته عبًا في إسراع وعجلة من غير مص، ثم عادت مسرعة محلقة في الفضاء الفسيح كأنها ركب من بني إحاظة يسرع عند الصباح في سيرة.
وقد يكون المقصود بقر إحاظة، فاجأه خطر ففر مسرعًا ويكون المراد تصوير القطا في سرعته بعد قفوله من منهل الماء وإسراعه في الطيران متفرقًا بصورة قطيع من الحيوان فاجأه الخطر ففر مذعورًا مسرعًا.