وفي هذه المجموعة من الأبيات نلتقي بالشنفرى في إحدى غاراته الليلية، وفي جانب من بطولته التي ظهرت على مسرح الشتاء القارس فهو يخرج في ليلة شديدة البرد يصنع فيها ما لا يستطيع غيره أن يصنعه, فالليلة لا يطاق بردها في بحيث يقسر صاحب القوس أن يشغلها ويصطلي بها, وصاحب القوس أشد حرصا عليها؛ لأنها وسيلته للدفاع عن نفسه ومع ذلك فهو يوقدها ليستدفئ عليها، ويحطم سهامه التي يرمي بها ويجازف بفقد أهم ما يحتاج إليه، أما هو فإنه يخرج ويتحدى الطبيعة في تلك الليلة الليلاء الشديدة الإظلام التي يهطل مطرها لا يصحبه فيها إلا ما يزيده ضنى وهلاكا وهو الجوع الشديد الذي يشبه النار المحرقة، والبرد القارس الذي يرعد الفرائص، والخوف والرعدة من الصقيع يسري في جسمه، ومع ذلك فهو لا يخشى شيئا ولا يرهب عدوا، بل يمضي إلى غاراته محققا ما اعتزم عليه ثم يعود سالما، مخلفا وراءه آثار غارته من رجال لقوا مصرعهم فأصبحت نساؤهم أيامى وأولادهم يتامى، وقد حقق ذلك في وقت وجيز فلقد عاد كما بدا والليل أليل ومازال الظلام دامسا، وحين أصبح الصباح فتح القوم عيونهم على الحقيقة وأصبحوا يتساءلون في دهشة من الذي أغار عليهم يتعجبون من سرعة الغارة، والآثار التي ترتبت عليها وتمخضت عنها وقالوا: لقد سمعنا في الليل كلابا تنبح، فقلنا: هل طاف بالحي ذئب أم طاف بالحمى ضبع