أصبح لا يطيق صحبة الناس ولا يتحمل رؤيتهم، وأحسن له أن يعيش بعيدا عنهم في الفلوات، ويألف البراري والقفار، ويساكن الوحوش، ويعقد علاقة حميمة بينه وبين الضباع والأسود فهي خير له من مصاحبة الناس:
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
وبالإضافة إلى عقدة السواد التي كانت تتسرب في أعماقه كان الشنفرى يحس بعدم الانتماء وربما كان هذا هو السبب الجوهري في خروجه على المجتمع وعلى الناس، ووجد أن الظلام ربيه وابن جلدته.
وكان صاحبنا ثائرا يرفض الواقع ويأباه هذا الواقع الذي أدرجه ضمن طبقة العبيد الذين قنعوا بالذل ورضوا به ولم يجدوا لأنفسهم خلاصا منه. أما الشنفرى فإن نفسه تأبى الضيم وترفض المهانة كما يقو هو عنها:
ولكن نفسا حرة لا تقيم به ... على الضيم إلا ريثما أتحول