كانت جديرة بأن يتخذ منها أهلا ويصطفيها على سائر البشر وقد عبر عن هذه الجدارة وذلك الاستحقاق بأكثر من أسلوب، فتارة يقول ولي دونكم أهلون فالحيوانات التي ألفته وألفها ليست أهلا واحدا بل أكثر من أهل، هي أهلون للإيحاء بأنه يجد في جوارها من الحماية والمنعة وحفظ الأسرار ما يعجز الأهل عن توفيره له وتقديم الخبر على المبتدأ في قوله ولي دونكم أهلون يفيد الاختصاص، وتارة يعبر عن استحقاق الحيوانات لهذه الصفات بأسلوب القصر هم الأهل، لإفادة الاختصاص أيضا، وكأنه يفرح بتلك المعايشة متعزيا عن أهله من الإنس بأنها لا تؤذي مثل الإنسان ولا تغدر ولا تخذل في مواقف الحرج، وقد رأينا كيف ساعدته اللغة واستخدامها على التعبير عما في نفسه.
والشاعر في البيت الثاني والثالث والرابع يلبس رداء الحكمة ويرتدي ثياب الواعظ فيطالب كل حر أن يرحل عن موطن الذل، فأرض الله واسعة ولا عذر لمن يقيم على الضيم ويرضى بالهوان:
ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد