للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض قدر ما يجف قليلا ثم يركم بعضه على بعض في السلال والظروف ويرفع.

ومن صنع الله الجميل لنا وفضله العميم علينا أنا وصلنا إلى هذه البلدة المكرمة فألفينا كل من بها من الحجاج المجاورين ممن قدم عهده فيها وطال مقامه بها يتحدث على جهة العجب بامها من الحرابة١ المتلصصين فيها على الحاج المتختلسين ما بأيديهم والذين كانوا آفة الحرم الشريف لا يغفل أحد عن متاعة طرقة عين لا اختلس من يديه أو من وسطه بحيل عجيبة ولطافه غريبة فما منهم إلا أخذ يد القميص٢ فكفى الله في هذا العام شرهم إلا القليل وأظهر أمير البلد التشديد عليهم فتوقف شرهم وبطيب هوائها٣ في هذا العام وفتور حمارة قيظها المعهود فيها وانكسار حدة سمومها وكنا نبيت في سطح الموضع الذي كنا نسكنه فربما يصيبنا من برد هواء الليل ما نحتاج معه إلى دثار يقينا منه وذلك أمر مستغرب بمكة.

وكانوا أيضا يتحدثون بكثرة نعمها في هذا العام ولين سعرها وأنها خارقة للعوائد السالفة عندهم كان سوم٤ الحنطة أربعة أصواع بدينار مؤمني وهي أوبتان من كيل مصر وجهاتها والأوبتان قدحان ونصف قدح من الكيل المغربي وهذا السعر في بلد لاضيعة فيه ولا قوام معيشة لاهله إلا بالميرة المجلوبة إليه سعر لاخفاء بيمنه وبركته على كثرة المجاورين فيها في هذا العام وانجلاب الناس إليها وترادفهم عليها فحدثنا غير واحد من المجاورين الذين لهم بها سنون طائلة أنهم لم يروا هذا الجمع بها قط ولا سمع بمثله فيها والله يجعله جمعا مرحوما معصوما بمنه.

وما زال الناس فيها يسلسون أوصاف أحوالها في هذه السنة وتمييزها عما


١ الحرابة: حاملو الحراب، وهم حراس أمير البلد.
٢ أخذ يد القميص: سرق.
٣ بطيب هوائها: متعلق بيتحدث في الكلام السابق.
٤ سوم الشيء: سعره في السوق.

<<  <   >  >>