للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهم ذم وسب لأحمد بن حنبل وهو بنى اعتقاده وركبه من قول الجهمية ومن قول الفلاسفة القائلين بقدم العقول والنفوس وهو من جنس القول المضاف إلى ديمقراطيس وليس هذا مذهب الأشعرية بل هم متفقون على أن القرآن غير مخلوق وعلى أن الله يرى في الآخرة، وإن قيل إن في ذلك تدليسا أو خطأ أو غير ذلك، فليس المقصود هنا تصويب قائل معين ولا تخطئته ولا بيان ما في مقالته من الخطأ والصواب وموافقة السلف ومخالفتهم، بل أن يعلم مقالة كل شخص على حقيقتها، ثم الحق يجب اتباعه بما أقام الله عليه من البرهان، ثم هذا الاعتقاد المشروح مع أنه ليس فيه زيادة على اعتقاد المعتزلة البصريين فاعتقاد المعتزلة البصريين خير منه فإن في هذا المعتقد من اعتقاد المتفلسفة في التوحيد ما لا يرضاه المعتزلة كما نبهنا عليه فيما تقدم وبيناه أن ما ذكره من التوحيد ودليله هو مأخوذ من أصول الفلاسفة وأنه من أبطل الكلام، وهذه الجمل نافعة فإن كثيرا من الناس ينسب إلى السنة أو الحديث أو اتباع مذهب السلف أو الأئمة أو مذهب الإمام أحمد أو غيره من الأئمة أو قول الأشعري أو غيره ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم.

فمعرفة ذلك نافعة جدّا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور على السلف والأئمة ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف والأئمة حتى نفوا حقيقة أسماء الله وصفاته وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه.

وأما السفسطة في العقليات فظاهرة، فإنه من المعلوم بصريح العقل امتناع ارتفاع نقيضين جميعا وإنه لا واسطة بين النفي والإثبات فمن قال إن لا يصف الرب بالإثبات فلا يقول إنه حي عليم قدير، ولا يصفه بالنفي فلا يقول ليس بحي عليم قدير فقد امتنع عن النقيضين جميعا، والامتناع عن النقيضين كالجمع بين النقيضين فإن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، وهذا ممّا رأيته قد اعتمد عليه أئمة القرامطة كصاحب «كتاب الأقاليد الملكوتية» أبي يعقوب السجستاني فإنهم قالوا نحن لم نجمع بين النقيضين فنقول أنه حي وليس بحي بل رفعنا النقيضين فقلنا: لا موصوف ولا لا موصوف.

قال هذا القرمطي المصنف الذي رأيته أفضل هؤلاء القرامطة: (الإقليد العاشر) في أن من عبد الله بنفي الصفات والحدود لم يعبده حق عبادته، إذ عبادته واقعة لبعض المخلوقين فإن قوما من الأوائل وجماعة من فرق الإسلام لم يعبدوا الله حق عبادته ولم يعرفوه بحقيقة المعرفة فقالوا إن الله غير موصوف ولا

<<  <   >  >>