للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محدود ولا منعوت ولا مرئي ولا في مكان وتوهموا أن هذا المقدار تمجيد لله عز وجل وتعظيم له وأنهم قد تخلصوا من الشرك والتشبيه، وإذا هم قد وقعوا في الحيرة والتيه لأنهم نفوا الصفات والحدود والنعوت عن الباري- تقدست عظمته- لئلا يكون بينه وبين خلقه مشابهة ولا مماثلة فنحن نسألهم بعد عن الموصوف من خلق أهو الصفة والحد والنعت أم الموصوف غير صفته والمحدود غير حده والمنعوت غير نعته.

فإن قالوا: إن الصفة هي الموصوف، والحد هو المحدود، والنعت هو المنعوت، لزمهم أن يقولوا: إن السواد هو الأسود، والبياض هو الأبيض.

وإن قالوا: الموصوف غير صفته، والمنعوت غير نعته، والمحدود غير حده، وهو- أعني الموصوف والمحدود والمنعوت جميعا- مخلوق هذا الخالق الذي نزهتموه عن الصفة والحد والنعت أشركتم الخالق بالمخلوق الذي هو الصفة والحد والنعت في باب أنها غير الموصوف عندكم وإن جاز أن يشارك المخلوق الخالق في وجه من الوجوه لم لا يجوز أن يشاركه في جميع الوجوه، قال: فإذا من عبد الله بنفي الصفات عنه واقع في التشبيه الخفي كما أن من عبده بسمة الصفات واقع في التشبيه الجلي.

ثم أخذ يرد على المعتزلة لكن رده عليهم ما أثبتوه من الحق واحتج عليهم بما وافقوه فيه من النفي، فإنه بهذا الطريق تمكنت القرامطة الزنادقة الملاحدة من إفساد دين الإسلام حيث احتجوا على كل مبتدع بما وافقهم عليه من البدعة من النفي والتعطيل وألزموه لازم قوله حتى قرروا التعطيل المحض.

قال القرمطي: ومن أعظم ما أتت به طائفة من أهل هذه النحلة في إقامة رأيهم من أن المبدع سبحانه غير موصوف ولا منعوت أنهم أثبتوا له الأسامي التي لا تتعرى عن الصفات والنعوت فقالوا إنه سميع بالذات بصير بالذات عالم بالذات ونفوا عنه السمع والبصر والعلم ولم يعلموا أن هذه الأسامي إذا لزمت ذاتا من الذوات لزمته الصفات التي من أجلها وقعت الأسامي، إذ لو جاز أن يكون عالما بغير علم، أو سميعا بغير سمع، أو بصيرا بغير بصر، لجاز أن يكون الجاهل مع عدم العلم عالما، والأعمى مع فقد البصر بصيرا، والأصم مع غيبوبة السمع سميعا، فلما لم يجز ما وصفناه صح أن العالم إنما صار عالما لوجود العلم، والبصير لوجود البصر، والسميع لوجود السمع.

قال: فإن قال قائل منهم: إنما نفينا عن البصير البصر إذ كان اسم البصير

<<  <   >  >>