متوجها نحو ذات الخالق لأنا هكذا شاهدنا أن من كان اسمه البصير لزمه من أجل البصر أن يجوز عليه العمى، ومن كان اسمه السميع يلزمه من أجل السمع أن يجوز عليه الصمم، ومن كان اسمه العالم يلحقه من أجل العلم أن يجوز عليه الجهل، والله تعالى لا يلحق به الجهل والعمى والصمم فنفينا عنه ما يلزم بزواله ضده، يقال له: ليس علة وجوب العمى البصر، ولا علة وجوب الصمم السمع، ولا علة وجوب الجهل العلم، ولو كانت العلة فيه ما ذكرناه كان واجبا أنه متى وجد البصر وجد العمى، أو متى وجد السمع وجد الصمم أو متى وجد العلم وجد الجهل، فلما وجد البصر في بعض ذوي البصر من غير ظهور عمى به، ووجد السمع كذلك في بعض ذوي السمع من غير وجود صمم يتبعه ووجد العلم في بعضهم من غير وجود جهل به صح أن العلة في ظهور الجهل والصمم، والعمى ليس هو العلم والسمع والبصر بل في قبول إمكان الآفة في بعض ذوي العلم والسمع والبصر، والله تعالى ذكره ليس بمحل الآفات، ولا الآفات بداخلة عليه فهو إذا كان اسم العالم والسميع والبصير يتوجه نحو ذاته ذا علم وسمع وبصر فتعالى الله عما أضاف إليه الجهلة المغترون من هذه الأسامي بأنها لازمة له لزوم الذوات بل هذه الأسامي ممّا تتوجه نحو الحدود المنصوبة من العلوي والسفلي والروحاني والجسماني لمصلحة العباد، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
قال: ويقال لهم إن كان الاستشهاد الذي استشهدتموه صحيحا فإن الاستشهاد الآخر الذي لا يفارق الاستشهاد الأول مثله في باب الصحة لأنكم إن كنتم هكذا شاهدتم أنّ من كان عالما من أجل علمه أو سميعا من أجل سمعه أو بصيرا من أجل بصره جاز عليه الجهل والعمى والصمم، فنحن كذلك شاهدنا أنّ من كان عالما فإن العلم سابقه، ومن كان بصيرا فإن البصر قرينه، ومن كان سميعا كان السمع شهيده، فإن جاز لكم أن تتعدوا حكم الشاهد على الغائب في أحدهما فتقولوا جاز أن يكون في الغائب عالم بغير علم وبصير بغير بصر وسميع بغير سمع، جاز لنا أن نتعدى حكم الشاهد على الغائب في الباب الآخر فنقول: إنا وإن كنّا لم نشاهد عالما بعلم إلا وقد جاز عليه الجهل، وبصيرا ببصر إلا وقد جاز عليه العمى، وسميعا بالسمع إلا وقد جاز عليه الصمم أن يكون في الغائب عالم بعلم لا يجوز عليه الجهل وبصير بالبصر لا يجوز عليه العمى وسميع بالسمع لا يجوز عليه الصمم، وإلا فما الفصل ولا سبيل لهم إلى التفصيل بين الاستشهادين فاعرفه.
فليتدبر المؤمن العليم كيف ألزم هؤلاء الزنادقة الملاحدة المنافقون الذين هم