للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب كالمعتزلة ونحوهم من نفاة الصفات نفي أسماء الله الحسنى، وأن تكون أسماؤه الحسنى لبعض المخلوقات فيكون المخلوق هو المسمى بأسمائه الحسنى كقولهم في الأول والآخر والظاهر والباطن أن الظاهر هو محمد الناطق، والباطن هو علي الأساس، ومحمد هو الأول وعلي هو الآخر، وتأويلهم قوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «١» أن اليد الواحدة هو محمد والأخرى علي، وقوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «٢»، أن يديه هما أبو بكر وعمر، لكونهما كانا مع أبي لهب في الباطن، فأمرهما بقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم فعجزا عن ذلك، فأنزل الله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وأمثال هذا من التأويلات المعروفة عن القرامطة، وأصل كلامهم استدلالهم بما يزعمونه من نفي التشبيه وإلزامهم لكل من وافقهم على شيء من النفي بطرد مقالته واتباع لوازمها ولازمها التعطيل الذي يقصدونه.

وقال القرمطي: وأيضا فمن نزه خالقه عن الصفة والحد والنعت ولم يجرده عمّا لا صفة له ولا حد ولا نعت فقد أثبته بما لم يجرده عنه، وإذا كان إثباته لمعبوده ينفي الصفة والحد والنعت فقد كان إثباته مهملا غير معروف لأن ما لا صفة له ولا حد ولا نعت ليس هو الله بزعمه فقط بل هو والنفس والعقل وجميع الجواهر البسيطة من الملائكة وغيرهم.

والله تعالى أثبت من أن يكون إثباته مهملا غير معلوم، فإذا الإثبات الذي يليق بمجد المبدع ولا يلحقها الإهمال هو نفي الصفة ونفي أن لا صفة ونفي الحد ونفي أن لا حد، لتبقى هذه العظمة لمبدع العالمين إذ لا يحتمل أن يكون معه لمخلوق شركة في هذا التقديس وامتنع أن يكون الإثبات من هذه الطريق مهملا فاعرفه.

قال: فإن قال إن من شريطة القضايا المتناقضة أن يكون أحد طرفيها صدقا والآخر كذبا فقولكم لا موصوفة ولا لا موصوفة قضيتان متناقضتان لا بد لأحدهما من أن تكون صادقة والأخرى كاذبة.

يقال له: غلطت في معرفة القضايا المتناقضة وذلك أن القضايا المتناقضة أحد طرفي النقيض منه موجب والآخر سالب، فإن كانت القضية كلية موجبة كان نقيضها جزئية سالبة كقولنا: كل إنسان حي وهي قضية كلية موجبة، نقيضة لا كل إنسان حي فلما كان من شرط النقيض من أنه لا بد من أن يكون أحد طرفيها موجبة


(١) سورة المائدة، الآية: ٦٤.
(٢) سورة المسد، الآية: ١.

<<  <   >  >>