للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآخرة سالبة رجعنا إلى قضيتنا في المبدع هل نجد فيها هذه الشريطة فوجدناها في كلتا طرفيها لم يوجب له شيئا بل كلتا طرفيها سالبتان وهي قولنا لا موصوف ولا لا موصوف، فهي إذا لم يناقض بعضها بعضا وإنما تناقض القضية في هذا الموضع أن نقول له صفة وأن ليس له صفة أو نقول له حد وأن لا حد له، أو إنه في مكان وإنه لا في مكان، فيلزمنا حينئذ إثبات لاجتماع طرفي النقيض على الصدق، فأما إذا كانت القضيتان سالبتين إحداهما سلب الصفة اللاحقة بالجسمانيين والأخرى نفي الصفة اللازمة للروحانيين كان من ذلك تجريد الخالق عن سمات المربوبين وصفات المخلوقين.

قال: فقد صح أن من نزه خالقه عن الصفة والحد والنعت، واقع في التشبيه الخفي كما أن من وصفه وحده ونعته واقع في التشبيه الجلي.

قلت: فهذا حقيقة مذهب القرامطة وهو قد رد على من وصفه منهم بالنفي دون الإثبات ونفي النفي قال: «لأن في الإثبات تشبيها له بالجسمانيين وفي النفي تشبيها له بالروحانيين»، وهي العقول والنفوس عندهم أنها موصوفة عندهم بالنفي دون الإثبات ولهذا يقولون: بسائط ليس فيها تركيب عقلي من الجنس والفصل، كما أنه ليس فيها تركيب الأجسام.

وظن هذا الملحد وأمثاله أنهم بذلك خلصوا من الإلزامات ومعلوم عند من عرف حقيقة قولهم أن هذا القول من أفسد الأقوال شرعا وعقلا وأبعدها عن مذاهب المسلمين واليهود والنصارى، بل مع ما قد حققوه من الفلسفة وعرفوه من مذهب أهل الكلام وادعوه من العلوم الباطنة ومعرفة التأويل ودعوى العصمة في أئمتهم، وقد قرروا أنا لا نقول الجمع بين النقيضين، فليس في قولنا محال، فيقال لهم: ولكن سلبتم النقيضين جميعا وكما أنه يمتنع الجمع بين النقيضين فيمتنع الخلو من النقيضين، فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ولهذا كان المنطقيون يقسمون الشرطية المنفصلة إلى مانعة الجمع ومانعة الخلو ومانعتي الجمع والخلو، فالمانعة من الجمع والخلو كقول القائل: الشيء إما أن يكون موجودا وإما أن يكون معدوما، وإما أن يكون ثابتا وإما أن يكون منفيّا، فتفيد الاستثناءات الأربعة أنه موجود فليس بمعدوم أو هو معدوم فليس بموجود أو ليس بموجود فهو معدوم، أو ليس بمعدوم فهو موجود، وكذلك ما كان من الإثبات بمنزلة النقيضين كقول القائل: هذا العدد إما شفع وإما وتر فكونه شفعا ووترا لا يجتمعان ولا يرتفعان وهؤلاء ادعوا إثبات شيء يخلو عنه النقيضان فإن جوزوا خلوه عن النقيضين جاز اجتماع النقيضين فيه، وهذا مذهب أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود كصاحب

<<  <   >  >>