للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إمام هو له مقدم ولمحله في تحقيق الحقائق رافع معظم ثم لم يرفع أحد منهم بالمنطق رأسا ولا بنى عليه في شيء من تصرفاته أسّا.

ولقد أتى بخلطه المنطق بأصول الفقه بدعة عظم شؤمها على المتفقهة حتى كثر فيهم المتفلسفة، والله المستعان.

قال: ولأبي عبد الله المازري الفقيه المتكلم الأصولي وكان إماما محققا بارعا في مذهبي مالك والأشعري وله تصانيف في فنون منها شرح الإرشاد والبرهان لإمام الحرمين، ورسالة يذكر فيها حال الغزالي وحال كتابه الإحياء أصدرها في حال حيدة الغزالية جوابا لما كوتب به من الغرب والشرق في سؤاله عن ذلك عند اختلافهم في ذلك فذكر فيها ما اختصاره أن الغزالي كان قد خاض في علوم وصنف فيها واشتهر بالإمامة في إقليمه حتى تضاءل له المنازعون واستبحر في الفقه وفي أصول الدين وهو بالفقه أعرف.

وأما أصول الدين فليس بالمستبحر فيها شغله عن ذلك قراءته في علوم الفلسفة وأكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلا للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها شرع يزغها ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، فلذلك خامره ضرب من الإدلال على المعاني فاسترسل فيها استرسال من لا يبالي بغيره.

قال: وقد عرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على قراءة رسائل إخوان الصفا، وهذه الرسائل هي إحدى وخمسون، كل رسالة مستقلة بنفسها وقد ظن في مؤلفها ظنون، وفي الجملة هو- يعني واضع الرسائل- رجل فيلسوف قد خاض في علوم الشرع فمزج ما بين العلمين وحسن الفلسفة في قلوب أهل الشرع بآيات وأحاديث يذكرها عندها.

ثم إنه كان في هذا الزمان المتأخر فيلسوف يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تآليف في علوم الفلسفة وكان ينتمي إلى الشرع ويتحلى بحلية المسلمين وأدته قوته في علم الفلسفة إلى أن تلطف جهده في رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتم له من ذلك ما لم يتم لغيره من الفلاسفة.

قال: ووجدت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه في علوم الفلسفة حتى إنه في بعض الأحايين ينقل نص كلامه من غير تغيير وأحيانا يغيره وينقله إلى الشرعيات أكثر ممّا ينقل ابن سينا لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلف رسائل إخوان الصفا عوّل الغزالي في علم الفلسفة.

<<  <   >  >>