للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك تأول ابن عقيل «١» كلام أبي إسماعيل الأنصاري، ليس مرادهم ذلك كما هو بين لمن تدبر كلامهم مع أن الإسماع على أصل النفاة إنما هو خلق إدراك في السماع ليس سببا يقوم بالمتكلم فكيف يوصف بالسكوت لكونه لم يخلق إدراكا لغيره؟

فأصل ابن كلاب الذي وافقه عليه القاضي وابن عقيل وابن الزغواني وغيرهم أنه منزه عن السكوت مطلقا فلا يجوز عندهم أن يسكت عن شيء من الأشياء إذ كلامه صفة قديمة لذاته لا تتعلق عندهم بمشيئته كالحياة حتى يقال إن شاء تكلم بكذا، وإن شاء سكت عنه.

ولا يجوز عندهم أن يقال إن الله سكت عن شيء كما جاءت به الآثار بل يتأولونه على عدم خلق الإدراك لأنه منزه عن الخرس باتفاق الأمة، هذا مما احتجوا به على قدم الكلام وقالوا: لو لم يكن متكلما للزم اتصافه بضده كالسكوت والخرس، وذلك ممتنع عندهم سواء قيل هو سكوت مطلق أو سكوت عن شيء معين.

وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول) وذكر اثني عشر إماما الشافعي ومالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، قال فيه سمعت الإمام أبا منصور يقول:

سمعت الإمام أبا بكر عبيد الله بن أحمد يقول سمعت الشيخ أبا حامد الأسفرائيني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعا من الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا فما بين الدفتين وما في صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومنقوشا كل


(١) هو العلامة البحر شيخ الحنابلة أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.
وكان يتوقد ذكاء، ولم يكن في زمانه نظير على بدعته، فقد أخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات نسأل الله السلامة والعافية.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٦١ - ٦١) نوع الزلل الذي وقع فيه العلامة ابن عقيل رحمه الله.
انظر ترجمته في السير (١٩/ ٤٤٣) وطبقات الحنابلة (٢/ ٢٥٩) والكامل في التاريخ (١٠/ ٥٦١) وميزان الاعتدال (٣/ ١٤٦) وشذرات الذهب (٤/ ٣٥ - ٤٠).

<<  <   >  >>