للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثم فلم يكن هدفه تحقيق النفع للإنسان فقط، بل تحقيق الحياة الأدبية له، التي تمتاز بها حياة الإنسان على حياة الحيوان، ومن هنا نرى الإسلام يحاول أن يطبع كل سلوك صادر من الإنسان بالطابع الأدبي، بصرف النظر عن مكان هذا السلوك وزمانه، وبصرف النظر عن صلته بالناس الآخرين، ولهذا نرى الإسلام يأمر بالأدب في المأكل والمشرب والملبس والمجلس والمشي والتحدث ومعاشرة الناس، ففي المأكل أمر -مثلا- أن يبدأ الإنسان بالبسملة، وأن يأكل بيمينه ومما يليه، فقد روي عن أبي سلمة -رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة* فقال لي رسول الله: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" ١، وقال في الشرب: "إذا شرب أحدكم فليشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل منها"، وفي الملبس أمر بالتستر والاحتشام، ولو في السر حتى ولو في الحمام، فقال الرسول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار" ٢؛ لأن الحياء جزء هام في الأدب الإسلامي، بل إنه جزء من الإيمان كما جاء من الرسول، فإنه قال: "فإن الحياء من الإيمان" ٣، وليس الحياء من الناس فحسب بل من الله والملائكة، ولهذا كان أمره بالتستر ولو في الخلاء الذي لا يراه فيه أحد من الناس، والاستحياء من الله له دور هام في تجنب المعاصي، ولهذا قال الرسول: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" ٤.

وفي المجلس أمر مثلا بالجلوس المتواضع الرزين، فقد روي عن الشريد بن


* وهي ما تشبع خمسة ونحوها، وهي أكبر من القصعة.
١ فتح الباري بشرح البخاري جـ١١، كتاب الأطعمة، ص ٤٥١.
٢ التاج جـ٥، كتاب الأدب ص ٢٤٣.
٣ شعب الإيمان للبيهقي, الحديث الرابع والخمسون ص ٩٩٧.
٤ مختصر شعب الإيمان للبيهقي، باب الحياء، ص ٩٨.

<<  <   >  >>