أما جانب المادة الأخلاقية فهو على مستويين: الأول مستوى الأصول الأخلاقية وهو عبارة عن القوانين أو المبادئ الأخلاقية العامة التي أثبتت صحتها التجربة الإنسانية، وهي لذلك ثابتة ومتفق عليها مثل: خيرية الصدق والأمانة واحترام الحقوق والعهود، وشرية الكذب والخيانة، والتعدي على الحقوق، والثاني مستوى الفروع، وهي قد تكون موضع خلاف بين المذاهب والحضارات، وهذه الفروع المختلف فيها ليست من الأخلاق في حقيقة الأمر، وإنما هي ترجع إلى بعض العادات الاجتماعية والتقاليد الدينية التي اختلطت مع الفروع الأخلاقية المختلفة، وهي التي تميز أخلاق الشعوب بعض التميز عن أخلاقيات الشعوب الأخرى، فنجد للهنود مثلا أخلاقيات خاصة وللصينين كذلك.
ومن ثم كان لذلك الدور الكبير في الاختلاف في التطبيق العملي، وهو الجانب الأخير من الأخلاق الذي أشرنا إليه سابقا، والسبب في ذلك الاختلاف هو محاولة إخضاع هذا التطبيق للفلسفات والأديان والمبادئ السياسية والاجتماعية الخاصة لكل ملة أو مجتمع، فلو أننا سألنا مثلا أي إنسان في الشرق أو في الغرب هل القتل والسرقة والكذب خير أن شر؟ لأجاب أنه شر، ولكنه في بعض الحالات العملية يبيح هذا وذاك، وهذه الحالات تختلف عن الحالات التي يبيحها إنسان آخر ينتمي إلى مجتمع آخر، وهكذا نجد أن الاتجاهات والفلسفات والعادات هي التي تشوه حقائق الأخلاق، وتجعلها مثار خلاف في موضوعيتها، وذلك بالرغم من اتفاق الأديان السماوية، وكبار الفلاسفة والعلماء في الأخلاق الأساسية، وبيان ضرورتها للحياة.