للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يجعل هذه الأهمية للعلم، إذ لا يعاقب الله الإنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنه جاهل بل يعاقب العالم غير المتخلق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل -وفي رواية"بالعالم"- يوم القيامة فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه" ١.

لكن لا ينبغي أن يفهم من هذا أن الإسلام يفضل الجاهل على العالم بصفة عامة، إذ لا شك في أن العالم المتخلق أفضل من الجاهل المتخلق، لهذا قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ٢، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ٣.

ولا شك في أن الجاهل المتخلق أفضل من العالم الفاسد؛ ذلك أن العالم الفاسد أكثر فتكا بالمجتمع من الجاهل الفاسد، إذ إن ضرر الثاني محدود لا يتجاوز حدود أفراد معينين، أما العالم الفاسد فإنه يستطيع أن يفسد المجتمع بأسره بل المجتمعات بأسرها، ولهذا اعتبر الرسول العالم الفاسد أشر الناس، وبيَّن أن هلاك الأمة يكون بسبب العلماء الفاسدين فقال: "شرار الناس شرار العلماء في الناس" ٤، وقال أيضا: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" ٥.

من هنا نرى أن الإسلام أخضع الأعمال العلمية للمبادئ الأخلاقية، سواء كان في ميدان البحث أو في ميدان نشر العلم وتقديمه للناس واستعمالاته، مثل


١ صحيح مسلم بشرح النووي جـ ١٨ ص ١١٨، كتاب الزهد.
٢ المجادلة: ١١.
٣ سورة الزمر: ٩.
٤ الجامع الصغير جـ٢ ص٣٩.
٥ سنن الترمذي جـ٣ ص ٣٤٢، كتاب الفتن.

<<  <   >  >>