للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأنانية والانتقام، فإذا استخدم هذه القوى في الفساد أهلك الحرث والنسل، وصدق الله العظيم: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} ١، ولهذا فإن الإنسان بحاجة إلى نظام خلقي يحقق له حاجته الاجتماعية، ويقف أمام ميوله ونزعاته الشريرة، ويوجهه إلى استخدام قواه في ميادين يعود نفعها على نفسه وعلى غيره بالخير؛ ولهذا أمر بالتعاون الاجتماعي في تحقيق الخيرات، ونهى عن التعاون في الإثم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} ٢، ونهى عن القتل بكل شدة حتى قتل الإنسان نفسه؛ لأن القتل في نظره تعدٍّ على الحياة، ثم إنه لا يعتبره تعديا على حياة فرد وإنما يعتبره تعديا على حياة الناس كافة، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} ٣؛ لأن التعدي على الجزء يعد تعديا على الكل، وكذلك إنقاذ الجزء يعد إنقاذا للكل.

ولم يحرم القتل فقط بل حرم أيضا كل الأمور التي قد تؤدي إلى القتل، وذلك حماية للحياة؛ ولذا نراه ينهى عن إثارة الفتنة بأي شكل من الأشكال؛ لأن الفتنة أحيانا لا تؤدي إلى قتل فرد فحسب بل تؤدي إلى تقتيل وإراقة دماء الكثيرين، ومن ثم اعتبر الفتنة أشد من القتل وأكبر منه؛ ولهذا قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} ٤، وفي آية أخرى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ٥، وللوقوف أمام إراقة الدماء قرر الإسلام أن من قتل غيره عمدا يقتل، وهذا زجر رادع عن التشبث بالقتل؛ لأن الشخص الذي يقدم على القتل إذا عرف أنه سيقتل بدل هذا القتل ولا يفتدي نفسه بأي شيء آخر


١ البقرة: ٢٠٥.
٢ المائدة: ٢.
٣ المائدة: ٣٢.
٤ البقرة: ٢١٧.
٥ البقرة: ١٩١.

<<  <   >  >>