مباشر، ومما يؤيد صدق ما ندعي أن أولئك الذين يقضون على حياتهم لا يفعلون ذلك لضيق معيشتهم أو لفقد صحتهم, بل إننا نجد منهم من هم أغنى الناس, لا ينقصهم مال ولا جاه ولا أي متعة من متع الحياة، وإنما ينقصهم في الحقيقة الطمأنينة الداخلية التي يكونها الإيمان أو العقيدة السلمية, ولا أقول هذا إن افتقاد عامل العقيدة هو السبب الوحيد في الانتحار، وإنما أقول إنه من أهم الأسباب، ومن مميزات تلك العقيدة أنها تضفي على القوانين الأخلاقية قداسة تسمو بها على أن تكون مجرد نظام وضعي يحدد علاقة الناس فيما بينهم لتحقيق مصلحة فردية أو اجتماعية لرغبات الأفراد أو المجتمعات.
فهناك إذن فروق واضحة بين القوانين الأخلاقية والقوانين الوضعية, ويمكن تلخيص تلك الفروق في النقط الآتية:
فالأولى: قدسية القوانين الأخلاقية.
ويؤدي ذلك إلى أمرين أولهما: تعظيم هذه القوانين وإجلالها, ومن ثم تكون لها سلطة تتحكم بها في حياة الإنسان وتصرفاته في السر والعلن، وثانيهما: إن هذه القوانين الأخلاقية تؤثر في الإنسان عمليا من الناحية الإيجابية او السلبية نتيجة تطبيقها أو عدم تطبيقها, فيكون أثر التطبيق الإحساس بالسرور والانشراح في أعماق النفس الإنسانية, ويكون أثر عدم تطبيقها الإحساس بالوخز والضيق والكآبة، وذلك بصرف النظر عن ملاحظة الناس لهذه الأفعال أو تلك؛ لأن ذلك الإحساس بالقدسية يجعل من نفسه رقيبا داخليا على تصرفات الإنسان, ولا يرتبط ذلك التطبيق للقوانين الأخلاقية بالمنفعة أو بالمظهر الاجتماعي فحسب شأن القوانين الوضعية، بل يتربط إلى جانب ذلك بظاهرة أعمق من ذلك وهي الإحساس