للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاريخ الإنسانية عموماً منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا. فما من أمة إلا وقد اتخذت لنفسها إلها أو آلهة وعبدتها وإن كانت باطلة، هنا يقول الفيلسوف "بسكال": "إن طبيعة الإنسان أن يؤمن فإذا لم تتقدم له أهداف صائبة سديدة ركز حولها إيمانه وحبه، تحول إلى عبادة أهداف خاطئة فاسدة"١.

أما ظهور بعض الثورات على هذه الظاهرة أو خروجها عليها، بقصد أو بغير قصد من بعض الشعوب أو من بعض الطوائف في فترة من فترات التاريخ فذلك ليس دليلاً أبداً على انعدام هذه الفطرة أو عدم وجودها في الإنسان مبدئياً، إن السبب في ذلك قد يكون فساد صورة التعبد الشائعة فيها أو بطلان المعبود عقلياً وعلمياً، وقد يكون السبب في فساد الجماعة الخارجة؛ لأن الإنسان قد يفرط أحياناً في جانب من حياته أو ينمي طبيعة معينة من طبائعه بكثرة الاهتمام بها فتؤدي هذه الحالة أو تلك إلى تناسي أو تجاهل الجانب الآخر من طبيعته وحياته الفطرية, ويقول هنا "سير رتشارد لفنجستون": "لقد جبل الإنسان على أن يهتدى بدين يرى في مبادئه الخلاص والاطمئنان, وإذا هجر الأوروبيون الدين اتخذوا لهم من دون الله أبطالاً وأنبياء"٢.

ومن الممكن أن تكون ظاهرة اتخاذ المعبودات الباطلة دليلا من أدلة وجود هذه الفطرة الدافعة في الإنسان؛ لأنها قد دفعته إلى عبادة هذه المعبودات ولو كانت باطلة عند عدم وجود ما هو أصح منها وأحق بالعبادة في نظره وإلا فما الذي دفعه إلى عبادة الأحجار والأشجار والأبقار وغيرها، وهي كلها في الحقيقة لا تنفع شيئاً ولا تضر {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ, أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} ٣, أنا


١ مجلة التربية الحديثة الصادرة من الجامعة الأمريكية مجلد ٢١ ص ١٥٤.
٢ المرجع السابق.
٣ الشعراء: ٧٢ - ٧٣.

<<  <   >  >>