النزعة الجبرية عندما يتعمق في الخلق والإيجاد كما يفهم هذا بوضوح من المثال الآتي الذي يضربه لبيان فكرته، فيقول: "لو أراد الإنسان أن يجز رقبة نفسه لم يملكه لا لعدم القدرة في اليد ولا لعدم السكين ولكن لفقد الإرادة الداعية المشخصة للقدرة وإنما تنفذ الإرادة؛ لأنها تنبعث بحكم العقل أو الحس بكون الفعل موافقاً وقتل نفسه ليس موافقاً له فلا يمكنه مع قوة الأعضاء أن يقتل نفسه إلا إذا كان في عقوبة مؤلمة لا تطاق فإن العقل هنا يتوقف في الحكم ويتردد؛ لأنه تردد بين شر الشرين فإن تراجع له بعد الروية أن ترك القتل أقل شراً لم يمكنه قتل نفسه وإن حكم بأن القتل أقل شراً وكان حكمه جزماً لا ميل فيه ولا صارف عنه انبعثت الإرادة والقدرة وأهلك نفسه؛ لأن داعية الإرادة مسخرة للقدرة والكل مقدور بالضرورة فيه من حيث لا يدري, فإنما هو محل ومجرى لهذه الأمور فأما أن يكون منه فكلا ولا.
فإذن معنى كونه مجبوراً أن جميع ذلك حاصل فيه من غيره لا منه ومعنى كونه مختاراً أنه محل لإرادة حدثت فيه جبراً بعد حكم العقل بكون الفعل خيراً محضاً موافقاً وحدث الحكم أيضاً جبراً، فإذن هو مجبور على الاختيار، ففعل النار في الإحراق مثلاً جبر محض وفعل الله اختيار محض وفعل الإنسان على منزلة بين المنزلتين فإنه جبر على الاختيار١.
إذن خلاصة رأيه أن للعبد أثراً في أفعاله وللرب أيضاً أثراً في أفعال عبده؛ لأنه الخالق، ولأنه موجد القدرة في عبده الذي يؤثر في أفعاله, فالعبد له اختيار وتأثير باعتباره محل قدرة الله، فمن هنا يبدو أنه مجبور من جهة مختار من جهة