للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى، وتسمى المنزلة بين المنزلتين "الجبر والاختيار".

كما يمكن أن ندخل في هذا الاتجاه رأي "ابن رشد" فهو نفسه وضع رأيه وسط الاتجاهين السابقين بعد أن استعرض رأي الاتجاهين السابقين وأدلتهما قال: "فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجمع بين هذا التعارض الذي يوجد في المسموع وفي المعقول نفسه؟ قلنا الظاهر من مقصد الشارع ليس هو تفريق هذين الاعتقادين وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذي هو الحق في هذه المسألة، وذلك أنه يظهر أن الله تعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضدادها, لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا لموافاة الأسباب التي سخرها الله لنا من خارج وزوال العائق عنها كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جميعاً"١.

وفي صدد هذه الدراسات الفلسفية في الإرادة لا أريد أن يفوتنا نوع آخر من الدراسات في الإرادة قامت بها المدارس السيكولوجية الحديثة، فأود هنا إعطاء فكرة عن آرائهم المختلفة وطريقتهم في دراستهم للإرادة.

الإرادة في نظر المدارس السيكوولوجية الحديثة:

إن المدارس السيكولوجية تختلف في موضوع الإرادة كالمدارس الفلسفية, فقوم من السيكولوجيين يرون أن موضوع الإرادة ينبغي أن يعالج من الناحية الميتافيزيقية، كموضوع الوجود والعدم، وقوم منهم يرى أنه ينبغي أن يعالج من الناحية البيولوجية، وقوم ثالث يرى أنه من اختصاص علم الاجتماع، إذ لا بد من وجود أنظمة وزواجر اجتماعية للحكم على أن هذا السلوك إرادي أم غير إرادي.


١ منهاج الأدلة في عقائد الملة: ابن رشد، تحقيق الدكتور محمود قاسم ط ٢ ص ٢٢٦.

<<  <   >  >>